بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد... فأحبتي في الله...
كيف كان الزاد؟ وهل ارتحلتم إلى البيت العتيق بقلوبكم؟ إن الذي لا يفد عليه محروم، وإن الذي لا يذوق حلاوة القرب إلى الله تعالى لمقطوع، ولن نرضى لا بالحرمان ولا بالقطع.
تعالوا نبدأ الرحلة بعد كل هذه التجهيزات التي طالت، وأردت أن نتهيأ لهذه المراحل القادمة، وأنا أعرف أن إقبالكم ليس كما كان في موسم الاستعداد لرمضان والإبحار عبر سفينة رمضان، وما ذلك إلا لعدم احتسابكم الأجر، ولعدم تعظيم الأمة بالشكل المناسب لأيام العشر الأول من ذي الحجة كما هو الحال في رمضان، لكن- والله- لو احتسبتم لبلغتم- ربما- ما هو أعلى رصيدًا من قربات رمضان، فكيف لا تقبلون والجائزة (الجنة) و(غفران الذنوب) و(التخلص من التبعات التي هي المظالم التي يقتص فيها عند القنطرة)؟
أعيدوا استحضار النية وراجعوا رسالة (لماذا مشروع 60 يوم إلى الحج؟) مرة أخرى، ومازلت أرى أنكم بعيدون هذه المرة تماما وأراكم فترتم، ومنكم من انتكس، ومنكم من أدبر، ومنكم من شغل، ومنكم من لا يدري، فيا عباد الله... اقبضوا على الجمر فوالله إنه أهون من أن نقذف في نار الفتن ووحل المعاصي من جديد.
اليوم سيمضي معي من صدق فشمَّر عن ساعد الجد، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا} [سورة البقرة: 250].
وأول النسك: (الإحرام) وفي الإحرام يحظر على الإنسان أشياء، غالبها يعود على أمور الدنيا والترفه، فيلبس الواحد أكفانه في هيئة الإزار والرداء، وينقي جسده، ويعطره كما هي السنة عند تهيئة الميت في الغسل والتكفين، وكأن هذا حال كل من يدخل على الله، يحتاج لطهارة بدنه، ومن أولى طهارة قلبه، ويحتاج أن يهتف بالتلبية (لبيك اللهم) بقلبه قبل أن ينطق بها لسانه.
ولابد من (ميقات) لا يجوز له أن يتعداه حتى يدخل على الملك وهو متهيئ، (والميقات) منزل مؤقت كشأن الدنيا تكون قنطرة إلى دار لا محظور فيها (ألا وهي الجنة).
وأنت (أحرم) من اليوم بقلبك فعليك بأن:
(1) تُحرِّم على قلبك كل ضغينة وبغضاء تجاه أي أحد فإنها تحلق الدين كما يحلق الموس الشعر.
(2) تُحرِّم على قلبك التعلق بالدنيا، فازهد فيها، فوالله إنها إلى زوال، فأعرض عنها، وأكثر من القراءة أو السماع عن الآخرة، حتى تكون في قلبك ويصرف عنك حب الدنيا، وعليك بدعاء مكثف أن يطهر الله قلبك منها.
(3) حرِّم على قلبك أي حب لا يكون في الله (اللهم لا تجعل في قلوبنا حبًّا إلا لك ولا تعلقًا إلا بك).
(4) وبيض قلبك كما بيضت ثيابك، فربَّ مبيض لثيابه مدنس لدينه، وعليك من الآن بصفاء الباطن «اللهم نقني من خطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس».
(5) أقبل على ربك، فناجه وادعه، وتقرب له {وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} [سورة ق: 33]، {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [سورة مريم: 52].
(6) تواضع فأنت من الآن تلبس الأكفان، ولا فضل لأحد إلا بالتقوى للرحمن.
هيا من الآن اسمع ربك من دبيب قلبك (لبيك ربي) (لبيك اللهم لبيك)، هيا فإنه باسط يده إليك لتتوب له فهل ترد يده؟؟... ماذا ستحرمون على قلوبكم أيها الحجاج بقلوبكم؟ أريد أن أسمع منكم، والله لأحرمن على نفسي كذا وكذا من اليوم فلا عرف قلبي من الآن طعم (كذا وكذا) مما كان يلهيه عن رب العالمين فمن يتقدم الخطوة الأولى ويجتازها بنجاح؟؟
تذكروا: البداية المحرقة تؤدي إلى النهاية المشرقة، والله الموفق.
المصدر: موقع طريق الإسلام.